قاربت ندوة (القدس في الأدبين العالمي والعربي) التي نظمت، ظهر أمس، في أبوظبي ضمن فعاليات «مؤتمر القدس.. المكان والمكانة»، وشارك فيها نقاد وباحثون عرب؛ حيث تناولوا أهمية المنجز في المدونة السردية والفنية على المستويين العربي والعالمي، لما كتب عن القدس وفلسطين ما بعد منتصف القرن الماضي إلى الآن، ووقفت الندوة عند أسئلة عديدة أبرزها قلة النوع على حساب الكم، وفقر ما كتب في المدونة السردية العربية، ما بعد ستينات وسبعينات القرن الماضي، مع الإشارة إلى كتابات عالمية ذات قيمة جمالية وفكرية، في حين تقاعس الكتّاب العرب عن متابعة القضية المركزية في آدابهم، باستثناء بعض الأعمال القليلة التي درستها الندوة بالتحليل والنقد.
شارك في الندوة التي حضرها حبيب الصايغ الأمين العام لاتحاد الكتّاب العرب: جورج غريغوري «رومانيا»، د. حمد السويلم «السعودية» وطلال العامر «الكويت»، ومحمد حجو، ومحمد رمصيص من المغرب، والدكتور نضال الصالح «سوريا»، وفاضل ثامر وعليا طالب الجبوري، وناجح المعموري من العراق، وأدار الندوة الكاتب التونسي صلاح الحمادي.
قدم محمد رمصيص ورقة بعنوان: (صورة القدس في وجدان المبدع العربي المعاصر) في إطار سؤال مركزي: كيف تحضر القدس وتغيب في وجدان هذا المبدع، وخلصت الورقة إلى تأكيد أن كل الكتابات في هذا المجال تحققت تحت هاجس الفقدان والضياع، وهو أمر طبيعي كما قال محمد رمصيص بالنظر لواقع الاحتلال، غير أن المدينة بشكل عام كرحم مجالي وقيمي للفرد مارست ضغوطاً كبيرة على المبدع العربي بصرف النظر عن هويته أو لغته، وقال رمصيص «يكفي أن نعلم أن أثينا هي التي قتلت سقراط، وباريس هي التي قتلت بودلير غير أن خصوصية القدس تنبع من كونها تعيش حالة نزيف مستمر وهو ما رصدته من خلال تجربتي نزار قباني ومحمود درويش في مدونة الشعر العربي الحديث».
أما ناجح المعموري رئيس اتحاد كتاب وأدباء العراق، فقدم ورقة بعنوان (أسطورة عين سلوان المقدسية) وهو موضوع توصل إليه المعموري من خلال ما كتبه الشاعر والباحث الفلسطيني زكريا محمد في مؤلفه «ديانة مكة في الجاهلية» حيث عثر بحسب ما يؤكد على نسق مشترك بين هذه الأسطورة والإله «إنكى» المسؤول عن العقل والحكمة والمياه العذبة التي تمركزت عليها أسطورة «عين سلوان» وهو أسطورة تحفل بالماء والخصب والتوالد، وهذه المعتقدات تنطوي على دلالات مقدسية فلسطينية، تدرك بأن الرموز هي الحقائق المتعالية والمنتجة للسرديات الحديثة.
وطرحت ورقة محمد حجو أسئلة عديدة تتصل بتشابك الرمزي مع المقدس مع الأسطوري بالنسبة لمدينة لقدس، التي تعايشت مع أحداث تاريخية قديمة، منذ خضوعها للاحتلال البيزنطي (324م-634م) حيث اعتنق قسطنطين الأول المسيحية، وجعلها الدين الرسمي لفلسطين، ومع مرور الأحداث، ظلت فلسطين في قلب صراعات لا حد لها، كما أكد حجو حتى احتلالها من قبل «الصهاينة»، وهذا البعد الرمزي والتاريخي للمدينة، لا يبرر الأحداث الدموية فيها، وهي دعوة للمفكرين والباحثين، أن يعيدوا قراءة التاريخ؛ لأن القدس في النهاية ستبقى مدينة تاريخية وروحية، وهي ذات مكانة عظيمة عند المسلمين بوصفها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
بدوره أشار فاضل ثامر إلى عدة روايات عراقية، التي تناولت القدس في ورقة بعنوان «رمزية القدس في الرواية العراقية» ومنها رواية «مقامات إسماعيل الذبيح» لعبد الخالق الركابي و«مصابيح أورشليم» لعلي بدر، والدور المركزي في هاتين الروايتين، كما أكد ثامر يتمحور في أن الكاتبين سلطا ضوءاً على عوالم مدينة القدس وتاريخها ونضال أبنائها، والسرد فيهما يحاول تفكيك الميثولوجيا التوراتية عن مدينة القدس، التي أشاعها الإعلام الصهيوني والغربي، وطرح بديلاً سردياً يكشف عن الجوهر الحقيقي لهذه المدينة وعمقها التاريخي والإنساني، فرواية الركابي تتبع حركة بطلها، وزواجه من فتاة مقدسية، ويتحول همه إلى الدفاع عن القدس منذ ثلاثينات القرن الماضي، فيما تحاول رواية بدر القيام برحلة افتراضية في فكر إدوارد سعيد، يستنطق من خلالها المغيب والممحو في هذه المدينة العريقة.
وقدم د. نضال الصالح رئيس اتحاد الكتّاب السوريين ورقة بعنوان (القدس في المدونة السردية العربية) قال فيها «لم يقدم الروائيون العرب ولا الفلسطينيون أي نتاج مؤثر عن القدس، في ما سبقهم إلى ذلك الكتّاب الأوروبيون والأمريكيون، وفي طليعتهم الروائية البريطانية «إثييل ماينن»، التي قدمت ثلاثية تحدثت من خلالها عن حياة الفلسطينيين قبل احتلال القدس عام 1967، في عملها«الطريق إلى بئر السبع، الفدائي، وأمل لا يموت» في ذات الإطار أشار الصالح إلى صول بيلو الحائز جائزة نوبل للآداب، وروايته «رحلة إلى القدس» وأشار صالح إلى أكثر الروايات الفلسطينية عمقاً وهي «صراخ في ليل طويل» لجبرا إبراهيم جبرا، وعدد آخر من رواياته مثل «البحث عن وليد مسعود» كما تناول بعضاً من الروايات الحديثة من خلال ما قدمته ليلى الأطرش، وسحر خليفة، ومحمود شقير؛ حيث الأغلب الأعم لهذه الأعمال جاء من أبناء الشتات الفلسطيني.
تحدثت عليا الجبوري عما أطلقت عليه «ثقافة الإرسال المقدسي للطفل العربي» كما تناولت ورقتها عدداً من موجهات الثقافة والفنون في وسائل الثقافة والإعلام العربية من خلال الثقافة التشكيلية والسينمائية، وكذلك من خلال ما هو متواجد في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، وهو نتاج في المجمل كما أكدت عليا الجبوري أنه أقل خصوبة عما هو في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والأمر يطال المناهج التعليمية ككتب التاريخ؛ حيث تغيب القدس عن معظم المناهج، ناهيك عن فن الكاريكاتير، الذي كان خصباً في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، على يدي ناجي العلي وبطله«حنظلة» هذا الذي اختفى من كثير مما يكتب عن القدس كمدينة عربية وإسلامية ذات بعد تاريخي وروحي.
وقدم د. جورج غريغوري ورقة بعنوان (القدس في شعر محمود درويش) بدأها بالقول «تغيب القدس بل هي لا تكاد تذكر»، في كثير مما يندرج تحت عنوان «الشعر العربي المعاصر» وركزت ورقته على كثير من قصائد ودواوين درويش، التي أبرزت المكان، بوصفه محمولاً على المجاز والرمز والمكانة التاريخية والروحية، وختم بقوله«تظل القدس تشكل العمود الفقري في كثير مما كتبه درويش خلال مسيرته الشعرية والإبداعية».
طلال العامر سلط الضوء على مكانة القدس في الأدب الكويتي، وقدم الكثير من النماذج التي أنصفت القضية الفلسطينية، وقال: «ظلت القدس في صدارة الأدب الكويتي حية نابضة، مدينة عروبية ذات مكانة دينية وروحية».
واستعرضت ورقة العامر مراحل عدة من الأدب الكويتي، الذي رافق تحولات القضية الفلسطينية منذ ثورة 1936 والانتداب البريطاني على فلسطين، حتى سقوط فلسطين، كما استمر هذا التعاطي الأدبي متزامناً وتغيرات القضية المركزية في وسائل وأشكال ومواقف عدة، في المسرح والتشكيل وفي الصحافة وغيرها.
أما د. حمد السويلم فدرس سرديات القدس في الشعر السعودي، ووقف عند نماذج لا حصر لها من الأعمال التي أبرزت القدس بوصفها مدينة السلام والمحبة كما تطرق سويلم إلى رمزية المكان في الشعر السعودي في صلته بمكانة القدس الدينية والروحية، وأفرد نماذج عدة من الأشعار التي تضمنتها مداخلته.
أبوظبي:عثمان حسن