Quantcast
Channel: صحيفة الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

تعليم وتنمية

$
0
0
د. حسن مدن

محاضر في الاقتصاد قال في محاضرةٍ له، إنه إذا ما اشتكى بلد من ضعف الكفاءات الإدارية لديه، ووجد نفسه محمولاً على الاستعانة بخبراء أجانب في رسم السياسات وتسيير أمور البلد، فإن النظر يجب أن ينصرف فوراً نحو منظومة التعليم فيه، فلو كانت هذه المنظومة كفؤة ومتطورة، ما كان البلد قد بلغ هذا المآل.
إذا كانت منظومة التعليم متخلفة وعاجزة عن مواكبة جديد العلم والمعرفة والإدارة، قابعة في الماضي، وغير جادة في الالتزام بمعايير جودة التعليم، فإن مخرجاتها ستكون رديئة مثلها، وسيظل البلد المعني يدور في الحلقة المفرغة نفسها من سوء في الإدارة وتعثر في التنمية، أما إذا كان العكس فإن المخرجات ستكون جيدة، وتنعكس على مستوى الأجيال الجديدة من الخريجين الذين يأتون إلى سوق العمل.
بالنسبة ل «الأمم النابهة»، ونستعير هذا الوصف من كاتب أندلسي، فرّق بين الأمم النابهة والأمم الخاملة، فإن الأولى، على الأقل في عصرنا الحديث، حين أرادت النهوض والتقدم، بدأت، وقبل كل شيء، بإصلاح منظومة التعليم ورفع كفاءتها، حين تعد مخرجات على عاتقها تضع مهام وأعباء النهضة.
ومهمة مثل هذه لا يمكن أن تخضع للموسمية، أو المزاجية، وإنما تندرج في إطار استراتيجية التنمية طويلة الأمد، لا بل المستدامة، فأي تراخٍ في إدارة التعليم بما يلزم من انضباط وجدية وصرامة، حتى لو كان هذا التعليم، في الأصل، جيداً، يجعله عرضة للتراجع، وحين يقع ذلك، يتراجع، في النتيجة، كل شيء.
قبل سنوات، لفتني في بحثٍ يناقش وضع التعليم في بلد عربي، هو تونس، قُدّم في مؤتمر عربي لمناقشة قضايا التعليم، عقد الباحث الذي لا أذكر اسمه الآن، مقارنة بين حال التعليم في بلده في المرحلة الأولى التالية للاستقلال، والتي غطت الجزء الأكبر من عهد أول رئيس للجمهورية التونسية، الحبيب بورقيبة، وحال هذا التعليم في سنوات حكم زين العابدين بن علي، فلاحظ أن التراجع الكبير الذي حصل في المرحلة الثانية عن منجزات المرحلة الأولى، كان له أوقع الآثار في تردي الأحوال عامة في البلد، بما في ذلك تنامي نزعات التزمت في صفوف الأجيال الشابة.
الحق أنه حدث، في بلدان عربية عديدة، أن جاء إلى موقع وزراء التربية، في فترات مختلفة، وزراء تعليم نابهون، من ذوي الرؤية والكفاءة، وإليهم الفضل يعود في تحقيق الكثير من النجاحات في تطوير التعليم والنهوض به، لكن الأمر سرعان ما يتغير، حين يغادر هؤلاء الوزراء مواقعهم، ليأتي بعدهم وزراء لا يملكون المهارات والرؤية التي كانت لأسلافهم، فيدمرون، واعين أو غير واعين، ما تمّ إنجازه قبلهم.
يقودنا هذا إلى التأكيد على أن إصلاح وتطوير التعليم، ما لم يندرجا في إطار خطة ملزمة لجميع من يتنسم مواقع القيادة في الجهاز التربوي والتعليمي، مع مراقبة ذلك بصرامة، لن يؤتيا الأُكل المنشود.

madanbahrain@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312