Quantcast
Channel: صحيفة الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

دانتي.. شاعر فلورنسا الأكبر مشرداً في إيطاليا

$
0
0
القاهرة: «الخليج»

ثلاثة من عظماء العالم يتشابهون في قوة الروح، وسعة الأفق، والثورة على القديم، والتطلع إلى بناء مجتمع إنساني مثالي، وإن اختلفت أداة التعبير لدى كل منهم، الأول هو «دانتي أليجييري»، الذي أراد في كتابه الشهير «الكوميديا» أن يقيم عالماً جديداً، أساسه العدالة والحرية والنظام والوحدة والتطهر والصفاء والحب والأمل، والثاني مايكل أنجلو الذي عبر في تماثيله الشاهقة عن بناء عصر جديد، تسوده القوة والحرية والصدق والذوق الرفيع، والثالث هو بيتهوفن الذي هدف في ألحانه إلى إقامة عالم مثالي قوامه الحق والفن والحرية والسلام.
في كل هؤلاء قوة وضعف وسذاجة وحكمة وبراءة وإدراك عميق، وسخط ويأس ومرارة، خرج ثلاثتهم من الأسى والشجن، وظفروا بالإبداع، وأخرجوا للإنسانية روائعهم الخالدة، على حد تعبير «حسن عثمان» في صدر ترجمته لكتاب «الكوميديا الإلهية» لدانتي، الصادر في ثلاثة أجزاء عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
عاش دانتي في النصف الثاني من القرن الثالث عشر، والربع الأول من القرن الرابع عشر، في عهد بدأت فيه العصور الوسطى تخفض أشرعتها، وينبثق خلاله فجر عصر جديد، وكانت الأحداث والظروف في إيطاليا تمهد لظهور دانتي وعصر النهضة، وكان لهذه الظروف أثرها الفعال في خلق أجيال من العباقرة الإيطاليين، أخرجوا نتاجهم الرائع في الفكر والأدب والتصوير والنحت والعمارة والسياسة والحرب، ومن هؤلاء دانتي ويعني اسمه «حامل الجناح الباقي على الزمن»، وينتمي إلى أسرة يقال إنها تتحدر من أصل روماني نبيل، حيث ولد في أواخر مايو/ أيار سنة 1265.
انصرف دانتي إلى الدراسة في فلورنسا، وعكف على دراسة القانون والطب والموسيقى والتصوير والنحت والفلسفة والطبيعة والكيمياء والفلك والتاريخ واللاهوت، كما درس تراث اللاتين واليونان والشرق، وعرف ثقافة العصور الوسطى، ونشأت بينه وبين البارزين في فلورنسا علاقة صداقة وود، ومنهم «برونيتو لاتيني»، الذي كتب قصيدة بعنوان «الكنز الصغير» تعد دائرة معارف صغيرة، وتحوي فكرة «الكوميديا»، ولم يقتصر دانتي على حياة الدرس والشعر، بل كان فارساً مقاتلاً شجاعاً، ومارس العمل السياسي، وكانت فلورنسا مدينة ذات قوة حربية آنذاك، ومع ذلك سادها خلاف حزبي كبير، وحدث بين البيض والسود صدام مسلح، وكان السود على اتصال بالبابا، وعمل دانتي على أن يوجد وحدة سياسية بين الجميع في فلورنسا، فأرسلت الحكومة وفداً إلى روما للوصول مع البابا إلى اتفاق، وكان دانتي ضمن أعضاء هذا الوفد.
واجه دانتي البابا بشجاعة، ولم يذعن لمطالبه، واستبقاه البابا لأن أحكاماً بالتنكيل بالبيض صدرت في فلورنسا، وصودرت أملاك دانتي، وحكم بإحراقه حياً، بعد هزيمة البيض، ثم انتقل من مكان إلى آخر، حتى سنحت له الفرصة لأن يعود إلى وطنه عام 1351 بشرط أن يعترف بأنه مخطئ، ويدفع غرامة مالية، ويطلب الغفران في حفل رسمي، حيث يسير النادمون في موكب علني، وهم حفاة الأقدام، ورفض الأمر، وعندئذ حكمت فلورنسا بقطع رأسه، إذا وقع في يدها.
مضى دانتي في حياة التشرد والنفي، إلى أن وصل إلى شمال إيطاليا، ولقي أحياناً الترحاب عند الأمراء، وعمل بعض الوقت سكرتيراً ومعلماً ليكسب قوته، وعاش أحياناً فقيراً جائعاً، حتى أصيب بالملاريا، ولم يحتمل جسده وطأة الحمى فأسلم الروح في 14 سبتمبر/‏ أيلول 1321 ومات ويده فوق صدره، وكانت عيناه مغلقتين، ووجهه متصلباً، مات ولم يكن يبدو أكان حيا أم ميتاً، لأنه كان ينام على هذه الصورة.
أدركت فلورنسا بعد أكثر من نصف قرن من وفاة دانتي ما ارتكبته في حق ابنها العبقري من الظلم والجحود، وأرادت أن تكفر عن خطئها، فعهدت إلى بوكاتشو وبيترو ابن دانتي، بتدريس «الكوميديا» للجمهور، وذاعت بالتدريج بين الناس وانتشر صيتها في أنحاء إيطاليا، وشيدت له فلورنسا له قبراً رمزياً يتكون من تابوت فارغ، يعلوه تمثال جالس للشاعر، وقد توج بإكليل الغار، وإلى يمين التابوت سيدة واقفة، ترمز لإيطاليا، وتشير بيدها إلى الكلمات المحفورة أسفل التمثال، والتي تقول: «مجدوا هذا الشاعر»، وإلى يسار التابوت تمثال سيدة أخرى ترمز إلى فلورنسا، وهي منحنية وبيدها إكليل الغار، الذي كانت تود أن تضعه على رأسه حياً، وهي تبكي، وستظل دائماً تبكي جراء ما ارتكبت في حق ابنها العبقري.
يقال إن دانتي بدأ بكتابة بعض أناشيد الجحيم «في فلورنسا» باللغة اللاتينية، ثم أعاد كتابتها بلهجة فلورنسا، وهو في المنفى، ويقال إنه انتهى من كتابة «الجحيم» سنة 1314 ويظهر أنه أنهى «المطهر» في حدود سنة 1316 وكتب «الفردوس» في رافنا، وأطلق لفظ «الكوميديا» على قصيدته الخالدة، وهو لفظ مأخوذ عن اليونانية القديمة، بمعنى أغنية تغنى بلغة العامة، وتجري على اللسان من دون تكلف، وتصنع.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>