Quantcast
Channel: صحيفة الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

مواقف «الأربعة الكبار»تزيد فرص تنفيذ إعلان «بانمونجوم»

$
0
0
السيد صدقي عابدين

تمخضت القمة الكورية الثالثة، التي عقدت في القرية الحدودية «بانمونجوم» عن إعلان تضمن تحسين العلاقات، وتخفيف حدة التوتر العسكري، وبناء نظام للسلام الدائم، فضلاً عن تأكيد إخلاء شبه الجزيرة من السلاح النووي كهدف مشترك. فهل سينفذ مضمون الإعلان؟
بداية فإن التوصل إلى هذا الإعلان يعني أن إرادة الجانبين قد التقتا على ما تضمنه. وهذا لم يأت من فراغ؛ حيث إن الأشهر الأربعة الماضية شهدت حراكاً غير مسبوق من حيث كثافته وسلاسته على صعيد العلاقات بين الكوريتين. فمن قطيعة تامة تقريباً دامت لحوالي عامين إلى انفراجة واسعة؛ عقب الخطاب السنوي للزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في بداية العام الحالي.
ومعلوم أن الرئيس الكوري الجنوبي الحالي مون جي إن قد انتهج منذ توليه السلطة منذ حوالي عام نهجاً مغايراً لما اتبعته الرئيسة الكورية السابقة بارك جيون هي، وسلفها لي ميونج باك؛ حيث بادرت إدارته من البداية بطلب إجراء حوار عسكري مع الشمال، وكانت هناك مبادرات أخرى، وتصريحات تصب كلها في مجرى الرغبة في تحسين العلاقات مع الشمال دون التخلي عن هدف نزع السلاح النووي. وقد كان ذلك واضحاً فيما ذكره مون في أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي «يجب ألّا تتوقف رحلة السلام والازدهار في شبه الجزيرة الكورية حتى لو كانت هناك أي صعوبة. لن نتسامح أبداً مع البرنامج النووي الكوري الشمالي»، ما كان يعني طبقاً لرؤية إدارة مون الجمع بين الضغط والعقوبات طالما استمرت بيونج يانج في سلوكها، والعمل على تحسين العلاقات معها في نفس الوقت.
من ثم فإن المبادرة الشمالية كانت موضع ترحيب جنوبي، وسارت الأمور بشكل جيد بالنسبة لمشاركة الشمال في دورتي الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونج تشانج في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين. المشاركة هنا لا تخص الرياضيين والمشجعين فقط وإنما تضمنت مشاركة مسؤولين على مستوى عال في حفلي الافتتاح والختام. وفي الأول حضرت شقيقة زعيم كوريا الشمالية كيم يو جونج، والتي نقلت رسالة منه إلى الرئيس الكوري الجنوبي، الذي قابل الوفد الشمالي أكثر من مرة بحفاوة كبيرة، وتضمنت الرسالة دعوة الرئيس لزيارة بيونج يانج. وهو ما ربطه مون بتوفر الظروف المناسبة. وقد تضمن بيان القمة تحديد الخريف القادم لزيارة مون لبيونج يانج.
كانت هذه هي النقطة الأخيرة حسب ترتيب الورود في بيان القمة، وقبلها اتفق على محادثات دورية ومكالمات هاتفية مباشرة بين قيادتي البلدين، ولقد أنشأ الجانبان قبل القمة خطاً ساخناً مباشراً يمكن القيادتين من إجراء مكالمات هاتفية مباشرة، وهذا للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بينهما. على أن يتم «تطوير العلاقات بصورة مستدامة والسلام والازدهار في شبه الجزيرة الكورية وتوسيع تيار الوحدة».
وإذا كان الإعلان قد ختم بتلك العبارات ذات الدلالة بالنسبة للمستقبل، فإنه استهل بعبارات دلالتها مهمة بالنسبة للماضي والحاضر والمستقبل معاً، من قبيل اعتبار ما تشهده شبه الجزيرة الكورية «تحولاً تاريخياً»، وأنه «لن تكون هناك حرب»، وأن «عصراً جديداً للسلام يفتح»، مع الإعلان عن العزم الثابت على «إنهاء عهد الانقسام والمواجهة الناتج عن الحرب الباردة في أسرع وقت ممكن، وفتح عصر جديد للمصالحة والسلام والازدهار، وتحسين وتطوير العلاقات بين الكوريتين».
تدرك الكوريتان أن جهوداً كبيرة يجب أن تبذل؛ من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه حتى لا يتكرر ما حدث في الماضي مع اتفاقات وإعلانات سابقة. وقد ذكر كيم جونج أون ذلك صراحة بالقول «سنبذل جهودنا لتحقيق نتيجة مثمرة للاتفاقية التي وقعنا عليها اليوم أمام شعبي الكوريتين وشعوب العالم، حتى لا نكرر ما حدث لاتفاقات في الماضي». ويدرك الجانبان أن الجهود ليست جهودهما وحدهما، وإنما هناك حاجة لجهود أطراف دولية كثيرة، وخصوصاً ذات التأثير فيما يجري في شبه الجزيرة الكورية، وعلى رأسها تلك المعروفة بالقوى الأربع وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان، وهي التي كانت تشارك مع الكوريتين في المفاوضات السداسية الخاصة بالبرنامج النووي الكوري الشمالي قبل أن تتوقف.
ولعل المتابع يدرك مدى أهمية القمة الصينية الكورية الشمالية أواخر مارس/آذار الماضي، والقمة الأمريكية الكورية الشمالية المقرر عقدها في نهاية مايو/أيار أو أوائل يونيو/حزيران القادمين. ومن هذا المنطلق الواقعي كان النص في الإعلان على أهمية الحصول على التأييد الدولي؛ لتحقيق هدف إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، وكذلك إجراء مباحثات مع كل من الولايات المتحدة والصين؛ من أجل الوصول لهدف بناء نظام السلام الدائم والقوي كبديل لاتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب الكورية في العام 1953.
إذاً فالسؤال المطروح هل سيقوم الطرفان (الشمالي والجنوبي) بما يفرضه عليهما تطبيق بنود إعلان القمة؟ وهل ستستجيب الأطراف الخارجية؟.
في مسألتي تحسين العلاقات وتخفيف حدة التوتر ستختبر إرادة الكوريتين أكثر من إرادة الأطراف الخارجية، خاصة إذا ما تم الالتزام بمبدأ الاستقلالية في القرارات الخاصة بالعلاقات الثنائية. مع الإدراك التام لصعوبة الالتزام الحرفي بذلك، فضلاً عن نسبية الاستقلالية تلك. وهنا لا يمكن إغفال أن التطورات الإيجابية على الصعيد الثنائي تؤثر في مواقف الأطراف الدولية، والعكس. وهذا ما أثبتته تطورات الأشهر القليلة الماضية. من ثم فإن تبعة التفاوض على مختلف المستويات، ووضع التدابير لتنفيذ ما اتفق عليه لزيادة التعاون والتبادل وتنشيطه خاصة بعد سنوات التجميد، يحتاج لجهود مخلصة من الكوريتين أولاً. ولعل البدء بالقضايا الإنسانية يكون أيسر، وكذلك ربط السكك الحديدية والطرق، وهنا سيلعب مكتب الاتصال الذي اتفق على إنشائه دوراً مهماً. وكلها أمور وردت في الإعلان.
بطبيعة الحال فإن هذه الأمور ستسير بشكل أفضل وأيسر إذا لم تكن هناك توترات عسكرية بين الجانبين، كما كان يحدث في السابق. وطالما أن الشمال تعهد بوقف التجارب النووية والصاروخية فإن استمرار تنفيذ هذا التعهد إلى أن تنضج التسوية النهائية سيساعد كثيراً في التباحث في القضايا العسكرية، بما في ذلك على مستوى وزراء الدفاع وكبار المسؤولين العسكريين، واتخاذ تدابير من شأنها منع وقوع اشتباكات ولو محدودة أو توترات عسكرية. وقد كان هناك إدراك لأهمية أن تتوقف الدعاية، وكل الأعمال العدائية، والتقليص التدريجي للأسلحة لدى الطرفين؛ من أجل المساهمة في بناء الثقة بينهما ومن ثم تم النص عليها.
إذا كانت إرادة الطرفين الكوريين قد اجتمعت مع إرادة الأطراف الدولية بما هيأ الأجواء لعقد القمة الكورية الثالثة، وعلى الأرجح عقد القمة الأمريكية الكورية الشمالية في القريب، فإن ما رشح حتى الآن من كل الأطراف هو تواصل العزم على تحقيق الأهداف. وهنا فإنه إلى جانب ما تضمنه إعلان بانمونجوم من قضايا رئيسية، فإن هناك نقاطاً أخرى مهمة ستثار مع الجانب الأمريكي. وعلى رأسها بطبيعة الحال مسألة الضمانات الأمنية التي ستقدم لكوريا الشمالية مقابل تخليها عن السلاح النووي.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>