Quantcast
Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

«الشيبة»محمد الحاي.. آخر إماراتي يسكن «فريج سدروه»

رأس الخيمة: عدنان عكاشة

يتشبث المواطن المسن محمد عبد الرحمن صالح الحاي 82 عاماً، بالبقاء ومواصلة العيش في «فريج سدروه»، أحد الأحياء السبعة القديمة في مدينة رأس الخيمة، ليكون، بحسب مصادر المنطقة ومؤرخين شعبيين فيها، آخر مواطن لا يزال يقطن في الحي الشعبي القديم، الذي شرع أهله الأصليون وأبناؤه من المواطنين في الهجرة منه والانتقال إلى الأحياء الجديدة في رأس الخيمة، الآخذة حينها في النشأة والنمو والتوسع، قبل نحو 4 عقود من الزمن، في حين يعد الحاي أحد القلائل، من المواطنين، ممن ما زالوا يتمسكون بالحياة في (رأس الخيمة القديمة) إجمالاً.
«الشيبة» محمد الحاي، 8 أبناء، 4 من الذكور ومثلهم من الإناث، رفض على مدار الأعوام الطويلة الماضية كل محاولات أبنائه ومحبيه للانتقال معهم إلى الأحياء الجديدة في رأس الخيمة، مثل «خزام» و«الظيت» و«سيح العريبي»، مستأنسا بروح المكان وأصالته وبعطاء ذاكرة لم تنضب، مُصراً على البقاء في «فريج سدروه»، الذي نشأ، وفق تقديرات مختصين وعدد من أبناء الحي، في بدايات القرن العشرين، ويشكل أحد أحياء أو «فرجان» مدينة رأس الخيمة القديمة، حيث تعلق قلبه بالمكان ومن سكنوه في الأيام الخالية، حيث أمضى 60 عاما تقريبا من عمره المديد، منها حوالي 50 عاماً في المنزل ذاته، الذي يعيش فيه الآن، وله في المكان الكثير من الذكريات والمشاهد والصور ووجوه الأحبة، التي لا تنفد منها ذاكرته الحية والمتوقدة.

خريف «البناي»

الوالد (محمد الحاي)، كما يصفه نجيب الشامسي، الكاتب والمحلل الاجتماعي والاقتصادي، هو أحد آخر «البنائين المواطنين» من أبناء رأس الخيمة، الذين ما زالوا على قيد الحياة، وعددهم حاليا لا يكاد يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وفق التقديرات، وجميعهم في «خريف العمر»، بعد أن عملوا بأيديهم وبخبراتهم ومعارفهم في بناء المساكن والمساجد والمرافق العامة الأخرى في رأس الخيمة، حين كان «البناؤون» جميعهم، أو يكادون، من العمال و«المقاولين» والمشرفين، من المواطنين فحسب، دون وجود يذكر للعمالة الوافدة آنذاك، في ظل بيئة تعلي من شأن ثقافة العمل والإنتاج في المجتمع المحلي حينها، ولا تعترف ب«ثقافة العيب».

«شيبة سدروه»

(الحاي) قال لـ«الخليج»، التي زارته بمنزله العتيق، الذي شيده بنفسه في حي «سدروه» القديم، قبل نصف قرن: إن رائحة الأحبة، الذين فارقوا الحياة، ولا تزال تملأ المكان، وصور الأهل والأقارب والأصدقاء، الذين عمروا البيت الشعبي والحي القديم، وسيل الذكريات الحميمة، ربطته جميعا ب«الفريج» وحالت دون مغادرته، حتى بلغ من العمر أرذله، غير آبه بالتحولات الاجتماعية وتمدد المدينة وزحف العمران من حوله، وغير عابئ بالتطورات الكبيرة والنقلات الواسعة، التي شهدتها رأس الخيمة على مدى العقود الماضية، مع نشوء الأحياء المنظمة والمناطق الحضرية الجديدة، في ظل خدمات أفضل وبنية تحتية معاصرة. «شيبة سدروه»، الذي ظهر في فيلم روائي إماراتي، هو جد لبطلة العمل، صور في رأس الخيمة، أكد أن الكثير من منازل رأس الخيمة ومبانيها القديمة، التي يحافظ الكثير منها على وجوده حتى اليوم، شيدها بنفسه، بمساعدة عمال كان معظمهم مواطنين، قدر عددها بنحو 100 «دكان» بجانب العديد من المساجد والمنازل، من بينها 20 إلى 30 من المحال القديمة «الدكاكين» في سوق رأس الخيمة القديم، الواقع على الشارع الرئيسي هناك، والماثلة حتى الآن، ومن أشهر ما شيد «مسجد البطح» القديم أو مسجد الشامسي، في قلب رأس الخيمة القديمة، والذي خدمه بنفسه، وفق تعبيره، أي عمل في بنائه، قبل أن يجري إحلاله، بجانب ما شيد من مبان ومساجد في الكويت والسعودية، مشيرا إلى أنه تعلم أصول البناء وفنونه في الكويت، حتى وصل درجة «أستاذ»، حسب الوصف في فن العمارة سابقاً لـ«المحترفين» وأصحاب الخبرة الواسعة.

في فناء «البيت العتيق»

الحاي أضاف، خلال جلسة خاصة مع «الخليج» في فناء بيته القديم، الذي خضع للصيانة والتجديد سابقاً، أنه لم يترك مهنة أو عملا متاحا في رأس الخيمة وبعض دول المنطقة، خلال الخمسينات والستينات والسبعينات، إلا ومارسه واقتات من ورائه، على غرار كثير من رجال الرعيل الأول في رأس الخيمة والإمارات، إذ إنه بجانب «البناء»، مهنته الرئيسية، عمل على ظهور السفن التجارية الخشبية القديمة «البوم»، التي كانت تنقل المواد والبضائع، مثل «العيش» والأغنام، من دولة إلى أخرى في المنطقة، وعمل في الكويت لنحو 7 سنوات ونصف، قبل أن يقرر العودة إلى حضن الوطن الدافئ عام 1957، إثر إنجاب زوجته، رحمها الله، مولوده الأول، والمفارقة أن عودته تلك كانت قبل «حادثة الطموة»، الواقعة الشهيرة في رأس الخيمة، التي طمرت فيها مياه «خور رأس الخيمة» فريج «هل علي» وأغرقت منازله، ليسهم في أعمال الغوص وانتشال حاجات المواطنين وأملاكهم، التي أتى عليها البحر، من أعماق «الخور».

الأحياء القديمة

الباحث والمؤرخ الشعبي، علي البلوشي، الذي رافق «الخليج» وكان دليلا لها في زيارتها ل(شيبة سدروه)، أشار إلى أن المواطنين بدؤوا في الانتقال من الحي الشعبي القديم إلى الأحياء الجديدة في مدينة رأس الخيمة المعاصرة قبل حوالي 38 عاما، مع بدايات ثمانينات القرن الماضي، صوب (خزام) أولا، ثم (الظيت) و(سيح العريبي) وغيرها من أحياء، موضحاً أن رأس الخيمة القديمة تتكون من 7 أحياء أو «فرجان» رئيسية، هي فريج «محارة»، فريج «هل برّع»، فريج «ميان»، فريج «هل علي»، فريج «بو يديع» فريج «سدروه، ودهان».

«رجال أولْ»

وفقاً لعلي البلوشي، يعد «شيبة سدروه» حافظا للشعر الشعبي، فيما عمل في الماضي في التجارة الإقليمية على متن السفن الخشبية التقليدية، وعمل أيضا في الزراعة ورعاية النخيل، كما عمل في الصيد والغوص، وهي حال «رجال أول» إجمالا، الذين كانوا يعملون في كل شيء، حسب الموسم، تراهم صيادين في موسم الصيد، «غواصين» بحثاً عن اللؤلؤ في موسم البحر والغوص، تجارا أو عاملين في التجارة حين يملكون الوقت، مزارعين في موسم النخيل وسواه من مزروعات، مربي ماشية حين يستدعي
الأمر، وهو ما يرى البلوشي أنه مؤشر واضح على أن ثقافة العمل والإنتاجية ضاربة الجذور في وعي الإماراتيين وتاريخهم.

عزيمة وعزة نفس

المسن الإماراتي يملك عزيمة تلفت النظر، وعزة نفس تستوقف من يقضي معه ولو القليل من الوقت، وهو يرفض بإلحاح عجيب حتى مساعدته على الوقوف والمشي، مكتفيا ب «عكازه» و«عزيمته»، فيما لا يزال يخدم نفسه بنفسه، ويمارس حياته اليومية دون قيود، من عمر أو شيخوخة، ويقضي حياته دون عقد، يخرج بصحبة سائقه الخاص إلى «الأماكن»، التي أحبها في رأس الخيمة، لاسيما رأس الخيمة القديمة، وبرنامجه اليومي لا يكاد يخلو من زيارة «مجلس الصيادين» و«مجلس الآباء»، المطل مباشرة على خور رأس الخيمة، عند «العبرة»، حيث يلتقي بأصدقاء العمر ورفاق الدرب.

وحشة وطمأنينة

ورغم أعوامه الستين، التي قضاها في «سدروه» تحديدا، ورأس الخيمة القديمة إجمالا، ولأن «الجار قبل الدار»، يبحث «شيبة سدروه» حاليا عن منزل جديد يؤويه مع زوجته، راغبا لأول مرة الخروج من الحي العتيق، كما يقول، بعد أن تغيرت الوجوه من حوله، وبات غريب الوجه واليد واللسان في المكان، الذي أحبه، حيث لم يعد يسكنه أحد من المواطنين من «جيرانه الأولين»، لتغيب الألفة والأنس والطمأنينة، وتحل محلها الوحشة والشوق الجارف للماضي، فيما أصبح محاطا بالعمال و«العزاب» من جنسيات مختلفة، تغمره الوحدة ووطأة الزمن.
Image may be NSFW.
Clik here to view.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>