Quantcast
Channel: صحيفة الخليج
Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

بحثاً عن تنظيم العالم الافتراضي

$
0
0
د. نسيم الخوري

من يملك الإجابة المحكمة ويمتلك الدواء الفعّال لما حصل ويحصل من دهس المارة بالشاحنات في عواصم العالم، كان آخرها في مدينة تورنتو في الأصقاع الكندية البعيدة؟ متى سيتمكّن العالم من التوفيق بين تكنولوجيا المعلومات المفتوحة الآفاق وشيوع الكراهيات والإرهاب ليحافظ في الوقت نفسه على يقظة الناس المتعاظم في التعرف إلى الديمقراطية؟.
لا جواب نهائياً بعد! بدايات حوار منتظر بين قادة التواصل وقادة الفكر والسياسة بعدما كادت أن تصبح وسائط المعلومات نقيضاً للديمقراطية، والاتصال اتصال مرضيّ مفكّك أي انقطاع وفردانية قاتلة. فقد بلغت الشهيّة الدولية، وخاصةً الأمريكية منها، الذرى في العمل على رفع الفكرة الديمقراطية إلى السماء، وبذر التجارب والأشكال التي تحقّقها على الأرض ورعايتها ونشرها وترسيخها بأنها فكرة غنيّة في توليد الحريّات والتطور وكشف الأغطية السميكة والمظلمة عن سطحها، حتّى ولو انزلقت هذه التجارب نحو الدماء ناسفة للمجتمعات والأنظمة من أسسها. هي الفكرة القائلة بالتقدم والتغيير لكنها المولّدة للعنف والضحايا وقلق الشعوب والأنظمة والتلاعب المعيب للرأي العام.
بدأ يحلّ الوقت الذي يسمح فيه ابن الشرق الأوسط لنفسه بالخروج من تعداد الضحايا والخرائب والضياع. وكأننا نستيقظ اليوم على مشاهد جمع الركام الذي يتمّ تحميله لأضواء وسائط التواصل الاجتماعي في مستقبل الدول والبشر في بلداننا ومن حولنا. لقد وقعت الكثير من الأنظمة في شبكة الإنترنت وأضاعت سلطاتها وقدراتها في ضبط الناس الذين أداروا في زمنٍ ظهورهم لكلّ ما هو حولهم، وراحوا يلهثون/ يلعبون بحثاً عن امتلاك كلّ الوسائل التواصلية التي عبّدت الطرق نحو أرجاء الدنيا الواسعة كما نحو الانتفاضات الشعبية التي شهدناها على سبيل المثال في إيران (2009) كما في أرجاء العالم العربي الذي تبعثر واهتزت مفاصله بدءاً من العام 2011 وفي أوكرانيا في ال2013-2014.
لقد تجاوزت الاستراتيجية حدود الألعاب الاتصالية، ووضع العالم يده على قلبه عندما استفاق على الإرهاب المتعدد الهويات، عاجزاً عن إيجاد صياغة دولية تشكّل الأساس الذي عليه يقوم الاستقرار، خصوصاً بعدما فلت التواصل والاتصال إلى الإمعان في نشر خطاب الكراهية والإرهاب المتعدّد الوسائل والأساليب المتلذذة بالقتل، والتحرش الجنسي والعرقي القاطن في شبكات الإنترنت إلى شيوع العنف والسطو والخدع والسرقات والحذف والإلغاء وكأننا في بداية التفاهم البشري.
صحيح أنّ تغريدة التويتر ومحتويات الفيسبوك تغري الممسكين بزمام السلطات مثلاً وقد صارت أمضى من السيف أو القنبلة النووية وتأخذ مداها ودورها الواسع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصحيح أنّ الأنظمة خشيت العصر الرقمي وحافظت على مواقعها وراحت تسيطر على تلك الوسائط لتوظفها وكان أعظمها استخدام روسيا لها، كما تابعنا، للتدخل والتأثير في انتخابات أمريكا وألمانيا وفرنسا وأوكرانيا، لكنّ الصحيح أيضاً أن التساؤلات بدأت تكبر وتتوسّع وبعض الأنظمة استفاقت لتكتشف ولو متأخرة في حسابات الأرباح والخسائر ضرورة البحث عن القوانين والأسس والتفاهمات التي تميّز بين شيوع الوسائط الاتصالية لنشر الديمقراطية بوصفها معرض القرن الحادي والعشرين ومحاولات ضبطها لحفظ حقوق الأفراد والجماعات ودول العالم:
فعلاً، هل بإمكان الولايات المتحدة المضي في نشر الديمقراطية بكونها سلعة مستوردة أم ينبغي على الديمقراطية أن تتطور محلياً وعلى مراحل ضرورية على علاقة بالثقافة والتطور الطبيعي؟ هل تتمكن الدول الفقيرة من القفز الخطر من فوق السطوح للّحاق بالعصر أو بالديمقراطية؟ ما هي السياسات الرشيدة والملائمة التي تعمل وتنجح وتغيّر وفي ظل أية ظروف؟ من هو صاحب الحق أو السلطة في هذا العالم لأن يجمع ويحتفظ بالبيانات والنصوص والصور التي تجمعها هواتفنا وساعاتنا ووسائلنا التواصلية المتّصلة في أقنية تصبّ كلّها في وادي السيليكون المتحكّم الناعم بمستقبلنا؟ كيف يفترض أن تستخدم هذه البيانات مستقبلاً وألا يتطلب استخدامها أخذ موافقة أصحابها؟ ومن هي الجهة الدولية التي تحاسب من يستخدمها من دون إذننا؟.
وضعت ألمانيا قانوناً يفرض على شركات التواصل الاجتماعي حذف خطب الكراهية والأخبار الكاذبة خلال 24 ساعة تحت طائلة تغريمها بخمسين مليون يورو عند المخالفة. وقرأنا عن مشروع قانون سيناقش في مجلس الشيوخ الأمريكي حول «صدقية الإعلانات» في وسائل التواصل الاجتماعي. هذا يعني أن جزءاً كبيراً من العالم يستيقظ أو يستدير اليوم بالعكس لوضع قوانين وأعراف دولية للشبكات الاتصالية عبر الفضاء بعدما تمّ وضع قوانين بهدف تحديد الأراضي وقوانين دولية ترعى كذلك المحيطات والبحار. هذا أمر طبيعي كان من المنتظر الوصول إليه لأنّ وسائل التواصل الاجتماعي ليست بعيدة في «ثورتها» الاتصالية عن الصحافة المكتوبة والمرئية المسموعة التي قلبت الصور التقليدية وخضعت إلى القانون والمساءلة والقواعد الضريبية.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 134312

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>